الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **
فيها التقى سيف الدولة ابن حمدان الدمشقي قاتله الله فهزمه. وفيها توفي الإمام العلامة أبو سعيد الأصطخري الحسن بن أحمد شيخ الشافعية بالعراق روي عن سعدان بن نصر وطبقته وصنف التصانيف وعاش نيفاً وثملاثين سنة وكان موصوفاً بالزهد والقناعة وله وجه في المذهب تولى حسبة بغداد واستقضاه المقتدر على سجستان فسار إليها ونظر في مناكحاتهم فوجد معظمها على غير إعتبار الولي فأنكرها وأبطلها عن آخرها. وكان ورعاً وهو من نظراء أبي العباس ابن سريج وأقران علي بن أبي هبيرة. وفيها توفي الفقيه الواعظ أحد الأئمة أبو علي الثقفي محمد بن عبد الوهاب النيسابوري عاش أربعاً وثمانين سنة سمع في كبره من موسى بن نصر الرازي وأحمد بن ملاعب وطبقتهما. وكان له جنازة لم يعهد مثلها وهو من ذرية الحجاج. قال الفقيه أبو الوليد: دخلت على ابن سريج وسألني عن من درست الفقه قلت: على أبي علي الثقفي قال: لعلك تعني الحجاجي الأزيرق.قلت: نعم قال: ما جاءنا من خراسان أفقه منه وقال أبو بكر الضبعي: ما عرفنا الجدل والنظر حتى ورد علينا أبو علي الثقفي في العراق وذكره السلمي في طبقات الصوفية. وفيها توفي أبو الحسن محمد بن أحمد بن شنبوذ المقرىء البغدادي أحد الأئمة من مشاهير القراء وأعيانهم وكان ديناً وقيل كان فيه سلامة صدر وحمق منفرداً بقراءة الشواذ وكان يقرأ بها في المحراب فأنكر عليه ذلك وبلع علمه أبا علي ابن مقلة الوزير فاستحضره واعتقله في داره أياماً ثم استحضر القاضي أبا الحسين عمر بن محمد والمقرىء أبا بكر المعروف بابن مجاهد وجماعة من أهل القرآن وأحضر ابن شبنوذ المذكور ونواظر في حضرة الوزير فأغلظ في الحديث للوزير وللقاضي وللمقرىء ابن مجاهد ونسبهم إلى قلة المعرفة وغيرهم بأنهم ما سافروا في طلب العلم كما سافر واستشار القاضي أبا الحسين المذكور فأمر الوزير ابن مقلة بضربه فأقيم وضرب سبع درر فدعا وهو يضرب على الوزير ابن مقلة بأن يقطع الله تعالى يده ويشتت شمله وكان الأمر كذلك كما سيأتي قريباً إن شاء الله تعالى. وأنكر ما كان ينكر عليه من الحروف التي كان يقرأ بها مما هو شنيع وقال فيما سوى ذلك فرابه قوم فاستتابوه فقال: إنه رجع عما كان يقرأ وإنه لا يقرأ إلا بمصحف عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ومما حكي أنه كان يقرأ: فامضوا إلى ذكر الله وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً وليكن منكم فئة يدعون إلى الخير وغير ذلك. وفيها توفي الوزير أبو علي محمد بن علي بن الحسن بن مقلة الكاتب المشهور كان في أول أمره يتولى بعض أعمال فارس ويجبي خراجها وتنقلت أحواله إلى استوزره الإمام المقتدر فخلع عليه فبقي في الوزارة سنتين وشهرين ثم نفاه إلى بلاد فارس بعد أن صادره ثم استوزره الإمام القاهر بالله فأرسل إليه إلى فارس رسولاً يجيء به ورتب له نائباً فوصل يوم الأضحى من سنة عشرين وثلاثمائة ولم يزل وزيره إلى اتهمه بالمعاضده على الفتك به.وبلغ ابن مقلة الخبر فاستتر. ولما ولي الراضي بالله سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة فاستوزره أيضاً وكان المظفر ياقوت مستحوذاً على أمور الراضي.وكان بينه وبين ابن مقلة وحشة وقرر ابن ياقوت الغلمان أنه إذا جاء قبضوا عليه وأن الخليفة لا يخالفه في ذلك وربما سره. فلما حصل ابن مقلة في دهليز دار الخلافة وثب الغلمان عليه ومعهم ابن ياقوت وقبضوا عليه وأسلموه إلى الراضي يعرفونه صورة الحال وعدوا له ذنوباً وأسباباً تقتضي ذلك فرد جوابهم وهو يستصوب ما فعلوا واتفق رأيهم على توزير عبد الرحمن بن عيسى بن داود الجراح وقلده الراضي الوزراة وسلم إليه ابن مقلة فضربه بالمقارع وجرى عليه من المكاره بالتعليق وغيره من العقوبة شيء كثير وأخذ خطه بألف ألف دينار ثم خلص وجلس بطالاً في دار. ثم إن ابن رائق استولى على الخلافة وخرج عن طاعتها فاستماله الراضي وفوض إليه تديير المملكة وجعله أمير الأمراء وأمر أن يخطب له على جميع المنابر وقوي أمره وعظم شأنه وتصرف برأيه وأحاط على أملاك ابن مقلة وضياعه وأملاك ولده أبي الحسن فأخذ ابن مقلة في السعي بابن رائق وكتب إلى الراضي يشير عليه بإمساكه وضمن له متى فعل ذلك وقلده الوزارة فاستخرج له ثلاثمائة ألف ألف دينار وكانت مكاتبة على يد ابن هارون المنجم النديم فأطمعه الراضي بالإجابة إلى ما سأل فلما استوثق ابن مقلة من الراضي ركب من داره وقد بقي من رمضان ليلة واحدة واختار هذا الطالع لأن القمر يكون تحت الشعاع وهو يصلح للأمور المستورة فلما وصل إلى دار الخليفة لم يمكنه من الوصول إليه ووجه إلى ابن رائق وأخبره بما جرى وأنه احتال على ابن مقلة حتى حصله في أسره ثم أظهر الراضي أمر ابن مقلة وأخرجه من الإعتقال وحضر صاحب ابن رائق وجماعة من القواد وتقابلا فالتمس ابن رائق قطع يده التي كتب به المطالعة فقطعت يده اليمنى ورد إلى مجلسه. ثم ندم الراضي على ذلك وأمر الأطباء بمداواته فداووه حتى برىء. وكان ذلك وقال أبو الحسن ثابت بن سنان الطبيب: كنت إذا دخلت إليه في تلك الحال سألني عن أحوال ولده فأعرفه استتاره وسلامته فتطيب نفسه ثم يتوجه على يده ويقول: كتبت بها القرآن الكريم مرتين تقطع كما تقطع اللصوص. فأسليه وأقول: هذا انتهاء المكروه فينشدني: إذا ما مات بعضك قاتلاً بعضاً فإن البعض من بعض قريب ثم عاد وأرسل الراضي من بعد قطع يده وأطمعه في المال وطلب الوزارة وقال: إن قطع اليد ليس بعد قطع اليد وليس مما يمنع الوزارة. وكان يشد القلم على ساعده ويكتب ثم أمر بعض التمين إلى ابن رائق يقطع لسانه أيضاً فقطع فأقام في الحبس مدة طويلة ولم يكن له من يخدمه وكان يستسقي الماء لنفسه من البير فيجذب بيده اليسري جذبة ونعمه الأخرى. وله أشعار في شرح حاله من ذلك قوله: ما سئمت الحياة لكن توثقت بإيمانهم فزالت يميني وليس بعد اليمين لذة عيش يا حياتي بانت يميني فبيني ومنه أيضاً: لست ذا ذلة إذا عصى الدهر ولا شامخاً إذا أو أتاني ومن ذلك: قالت له النفس العروف بقدرها ما كان أولاني بهذا الموضع ولم يزل على هذه الحالة إلى أن توفي في موضعه ودفن في مكان ثم نبش بعد زمان وسلم إلى أهله. وهو أول من نقل هذه الطريقة من خط الكوفيين إلى هذه الصورة هو وأخوه على خلاف فيه وله ألفاظ منقولة مستعملة من ذلك قوله: إذا أحببت تهالكت وإذا اتعظت أهلكت فإذا رضيت أبدت وإذا غضبت أبرت. ومن كلامه: يعجبني من يقول الشعر تأدباً لا تكسباً ويتعاطى الغناء تطرباً لا تطلباً قيل: وله كل معنى مليح في النظم والنثر. وكان ابن الرومي الشاعر يمدحه فمن معاتبة المقولة فيه قوله: أن يخدم القلم السيف الذي خضعت له الرقاب ودانت خوفه الأمم كذا قضى للأقلام مذ برئت إن السيوف لها مذ أرهفت خدم وكل صاحب سيف دائم أبداً ما زال يتبع ما يجري به القلم وكان أخوه الحسن بن علي بن مقلة كاتباً أديباً بارعاً قيل: والصحيح أنه صاحب الخط وفي عزل ابن مقلة من الوزارة قال بعض الشعراء: يقال العزل للأحرار حيض نجاة الله من أمر بغيض ولكن الوزير أبا علي من اللائي يئسن من المحيض وفيها توفي العلامة إمام اللغة صاحب المصنفات أبو بكر محمد ابن الأنباري النحوي اللغوي عمر سبعاً وخمسين سنة سمع في صغره من الكديمي بضم الكاف وإسماعيل القاضي وأخذ عن أبيه وثعلب وطائفة. قال أبو علي القالي: كان شيخنا أبو بكر يحفظ فيما قيل ثلاثمائة ألف بيت شاهد في القرآن وقال محمد بن جعفر التميمي: ما رأيت أحفظ من ابن الأنباري ولا أغزر بحراً منه. روي عنه أنه قال: أحفظ ثلاثه عشر صندوقاً.قال: وحدث أنه كان يحفظ مائة وعشرين تفسيراً للقرآن العظيم بأسانيدها. وقيل: إنه أملى غريب الحديث في خمسة وأربعين ألف ورقة وكان علامة وقته في الآداب وأكثر الناس حفظاً لهما. وكان صدوقاً ثقة ديناً خيراً من أهل السنة. وصنف كتباً كثيرة في علوم القرآن وغريب الحديث والمشكل وكان يملي في ناحية من المسجد وأبوه في ناحية أخرى.وفيها توفي الأستاذ أبو الحسن المزين العارف بالله الولي الكبير شيخ الصوفية صحب الجنيد وسهل بن عبد الله وجاور بمكة وله مناقب كثيرة ومحاسن شهيرة ومما حكي عنه أنه قال: كنت بمكة فوقع لي إرادة السفر إلى المدينة فلما بلغت بير ميمون وجدت شاباً يجود بنفسه فقلت له: قل لا إله إلا الله ففتح عينيه ونظر إلي وقال: ثم خرجت روحه فغسلته وكفنته وصليت عليه ودفنته فسكن ما كان في نفسي من خاطر السفر فرجعت إلى مكة وكان بعد ذلك يوبخ نفسه ويقول: حجام يلقن أولياء الله الشهادة واشوقاه.وقوله: بير ميمون يعني أنها البير المسماة اليوم بالنوارية والله أعلم بالصواب. وبعض الناس يسميها بير ميمونة وهي قريبة من قبرها. وفيها توفي الشيخ الكبير العارف بالله الشهير: أبو محمد المرتعش عبد الله بن محمد النيسابوري أحد مشايخ العراق صحب الجنيد وغيره ومن كلامه: الإرادة حبس النفس عن مراداتها والإقبال على أوامر الله تعالى والرضوان بموارد القضاء وقيل له: إن فلاناً يمشي على الماء فقال عندي من مكنه الله تعالى من مخالفة الهوى هو أعظم من المشي في الهواء وكان يقال له: إشارات الشبلي ونكت المرتعش وحكايات الخزيمي. وفيها توفي أحمد بن محمد بن عبد ربه القرطبي صاحب " العقد " الأموي مولاهم.كان رأس العلماء المكثرين والإطلاع على أخبار الناس. حوى كتابه من كل شيء وله ديوان شعر جيد ومن شعره: إن الغواني لو رأينك طاوياً برد الشباب طوين عنك وصالا وإذا دعونك عمهن فإنه نسجت يزيدك عندهن خيالا تسع وعشرين وثلاث مائة فيها: استخلف المتقي لله وتوفي الراضي بالله أبو إسحاق محمد. وقيل: أحمد المقتدر بالله جعفر بن المعتضد بالله العباسي. وكانت أمه جارية رومية وهو آخر خليفة له شعر مدون وآخر خليفة انفرد بتدبير الجيوش وآخر خليفة خطب يوم الجمعة إلى خلافة الحاكم العباسي فإنه خطب أيضاً مرتين وآخر خليفة جالس الندماء ولكنه كان مقهوراً مع أمرته وكان سمحاً كريماً محباً للعلماء والأدباء سمع الحديث من البغوي وعمره إحدى وثلاثون سنة. وفيها توفي يوسف بن يعقوب بن إسحاق التنوخي الأنباري الأزرق الكاتب وله نيف وتسعون سنة. وأبو نصر محمد بن حمدويه المروزي.
فيها حدث الغلاء المفرط والوباء ببغداد وبلغ الكر مائتين وعشرة دنانير أكلوا الجيف. وفيها وصلت الروم فأغارت على أعمال حلب وبدعوا وسبوا عشرة آلاف نسمة. وفيها أقبل أبو الحسين علي بن محمد بن البريدي بالجيوش فالتقاه المتقي وابن رائق إلى الموصل واختفى وزيره أبو إسحاق القراريطي ووقع النهب في بغداد واشتد القحط حتى بلغ الكر ثلاثمائة وستة عشر ديناراً وهذا شيء لم يعهد بالعراق. ثم عم البلاء بزيادة دجلة فبلغت عشرين ذراعاً فغرق الخلق. وأما ناصر الدولة ابن حمدان فإنه جاءه محمد بن رائق فوضع رجله في الركاب إذ وثب به الفرس فوقع فصاح ابن حمدان: لا يفوتنكم فقتلوه ثم دفن وعفى قبر وجاء ابن حمدان إلى المتقي فقلده المتقي مكان ابن رائق ولقبه ناصر الدولة ولقب أخاه علياً سيف الدولة.وعاد وهما معه وهرب البريدي من بغداد وكان مدة استيلائه عليها ثلاثة أشهر وعشرين يوماً ثم نهب البريدي وعاد فالتقاه سيف الدولة بقرب المدائن ودام القتال يومين وكان الهزيمة على ابن حمدان والأتراك ثم كانت على البريدي وقتل جماعة من أمراء الديلم وأسر آخرون وهرب البريدي إلى واسط بأسوأ حال وساق وراءه سيف الدولة ففر إلى البصرة. وفي رجب من السنة المذكورة توفي الفقيه الكبير الإمام الشهير أبو بكر الصيرفي الشافعي صاحب المصنفات في المذهب وصاحب وجه فيه. كان من جلة الفقهاء أخذ الفقه عن أبي العباس بن سريج واشتهر بالحذق في النظرة والقياس وعلم الأصول وله في أصول الفقه كتاب لم يسبق إليه. قال أبو بكر القفال: كان أعلم الناس بالأصول بعد الشافعي وهو أول من انتدب من أصحابنا للشروع في علم الشروط وصنف فيه كتاباً أحسن فيه كل إحسان. والصيرفي نسبة وفيها توفي الشيخ الكبير أبو يعقوب النهرجوري شيخ الصوفية. صحب الجنيد وغيره وجاور مكة وكان من كبار العارفين رحمه الله تعالى. وفيها توفي الإمام الكبير القاضي أبو عبد الله المحاملي الشهير الحسين بن إسماعيل الضبي البغدادي.عاش خمساً وتسعين سنة. قال أبو بكر الداؤدي: كان يحضر مجلس المحاملي عشرة آلاف رجل. وفيها توفي الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الملك القرطبي. ألف كتاباً على سنن أبي داود وكان بصيراً بمذهب مالك. وفيها توفي الحافظ أبو عبد الله محمد بن يوسف الهروي من أعيان الشافعية والراحلين في طلب الحديث عاش مائة سنة. وفيها توفي الزاهد العابد صاحب المسجد المشهور بظاهر باب شرقي يقال اسمه مفلح وكان من الصوفية العارفين. وفيها وقيل بعدها على ما حكاه ابن الهمداني في ذيل تاريخ الطبري توفي ببغداد وقيل بل في سنة أربع وعشرين وثلاثمائة الشيخ الإمام ناصر السنة وناصح الأمه إمام أئمة الحق ومدحض حجج المبدعين المارقين حامل راية منهج الحق ذي النور الساطع والبرهان القاطع أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سلام بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري الصحابي رضي الله عنه. قلت هذا ذكر اسمه ونسبه وذكر الإمام السمعاني الأشعري نسبه إلى أشعر أحد أجداده وهو ثبت بن داود بن يشجب. قال: وإنما قيل له أشعر لأن أمه ولدته والشعر على يديه. انتهى. قلت: نسبته المعروفة المتفق عليها إلى أبي موسى الأشعري الصحابي وهو من الأشاعر: قبيلة من اليمن ونسلهم إلى الآن باق وهم عرب يسكنون قريباً من زبيد مشهورون بالنسب المذكور. وأما ذكر مناقبه وما ورد في السنة من الأحاديث الدالة على شرف أصله وكبر مجلسه وما أمره به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في منامه من النظر في سنته واتباعه لها ونصرته لمذهب الحق وما شهد له به العلماء من الفضيلة والسيرة الجميلة وما عرف به من العلم والعمل والعبادة والتقلل من الدنيا والزهادة وعقوبة من أساء الظن به واعتقد بطلان مذهبه وفساده وبيان صحة إعتقاده وإعتداله وسداده وما رئي له في المنام مما يدل على أنه لمذهب الحق والهدى إمام وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم باتباعه واتباع أصحابه للمسائل التي سأله في منامه وما ورد عليه من الأمر بإقتدائهم في جوابه وما مدحه به العلماء الأحبار من الفضائل بالنثر والأشعار وغير ذلك مما لا يدخل تحت قيد الإنحصار فإنه يحتاج في تدوين الجملة إلى تصانيف مفردة مستقلة كبار. وقد صنف في ذلك كتاباً نفيساً الإمام الحافظ المحقق المسند الماهر صاحب تاريخ الشام في ثمانين مجلداً وأبو القاسم المعروف بابن عساكر صنفه في مجلد وقد اختصرته في كتاب سميته " الشاش المعلم شاووش كتاب المرهم المعلم بشرت المفاخر العلية في مناقب الأئمة الأشعرية " ذكرت فيه نبذة من مناقبهم الجليلة ومحاسنهم الجميلة وسيرهم الحميدة وعقائدهم السديدة التي وافقوا فيها عقيدة إمام الأئمة. أبي الحسن الأشعري المذكور ناصر الحق البارع القامع للبدع المشكور. وحذفت ما ذكر ابن العساكر من الروايات والأسانيد في تآليفه وجمعه رغباً في الإختصار وهرباً من الملل في الإكثار فجاء كتابي من كتابه قدر ربعه. قلت: ومما يدل على جلالة قدره وإرتفاعه وكثرة مصنفاته فقد روى الحافظ أبو القاسم بسنده أنها عدت تراجمهم ففاقت على ثلاثمائة وثمانين مصنفاً منها " كتاب الفضول " في الرد على المحدثين والخارجين عن الملة كالفلاسفة والتابعين والدهريين وأهل التشبيه والقائلين بقدم الدهر على اختلاف مقالاتهم وأنواع مذاهبهم ورد فيه على البراهمة واليهود والنصارى والمجوس. وهو كتاب مشتمل على اثني عشر كتاباً. وكذلك " كتاب الموجز " يشتمل على اثني عشر كتاباً على حسب تنوع مقالات المخالفين من الخارجين عن الملة كالفلاسفة والداخلين ورد على سائر أنواع المبتدعين في كتبه تعميماً وتخصيصاً. ومما يدل على ذلك أيضاً خطبة كتابه الذي صنفه في تفسير القرآن والرد على من خالف البيان من أهل الإفك والبهتان. قال: أما بعد فإن أهل الزيغ والبدع والتضليل تأولوا القرآن على رأيهم وفسروه على أهوالهم تفسيراً لم يزل الله تعالى به سلطاناً ولا أوضح به برهاناً ولا رووه عن رسول رب العالمين ولا عن أهل بيته الطيبين ولا عن السلف المتقدمين من الصحابة والتابعين افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين ثم قال في أثناء كلامه: وشيوخهم الذين قلدوهم فأضلوهم وما هدوهم. قال: ورأيت الجبائي قد ألف كتاباً في تفسير القرآن أوله على خلاف ما أنزله الله عز وجل لغة أهل قرية المعروفة بجبا وليس من أهل اللسان الذي نزل به القرآن وما روى في كتابه حرفاً واحداً عن المفسرين. وإنما اعتمد على ما وسوس به صدره وشيطانه ولولا أنه استغوى بكتابه كثيراً من العوام واستنزل به عن الحق كثيراً من العظام لم يكن للتشاغل به وجه. ثم ذكر المواضع التي أخطأ فيها الجبائي في تفسيره وبين ما أخطأ فيه من تأويله من القرآن بعون الله تعالى وتيسيره وكل ذلك مما يدل على جلة وكثرة علمه وظهور فضله جزاه الله تعالى عن جهاده في دينه بلسانه الحسنى وأحله بإحسانه في مستقر جنانه. المحل الأسنى.واسم كتابه الذي ألفه في تفسير القرآن " المتحفون ". قال الإمام الماهر في الفقه: محمد بن موسى بن عمار فيما روى عنه الثقات الأخيار والعلماء الأحبار. ذكر لي بعض أصحابنا أنه رأى من تفسيره المذكور طرفاً وكان بلغ فيه سورة الكهف وقد أنهى مائة كتاب ولم يترك آية يتعلق بها يدعي إلا بطل تعلقه بها وجعلها حجة لأهل السنة وبين المجمل وشرح المشكل أو قال: المستشكل. قال: ومن وقف على تآليفه رأى أن الله تعالى قد أمده بإمداد توفيقه وأقامه لنصرة الحق والذب عن طريقه. وكل من تعلق اليوم بمذهب السنة وتفقه في معرفة أصول عن سائر المذاهب نسب إلى أبي الحسن الأشعري لكثرة تآليفه وكثرة قراءة الناس لها ولم يكن أول متكلم بلسان أهل السنة إنما يجري على سنن غيره وعلى نصرة مذهب معروف فزاد المذهب حجة وبياناً ولم يبتدع مقالة اخترعها ولا مذهباً انفرد به. ألا ترى أن مذهب أهل المدينة نسب إلى مالك بن أنس رضي الله تعالى عنه ومن كان على مذهب أهل المدينة يقال له مالكي ومالك إنما جرى على سنن من كان قبله وكان كثير الإتباع وأما ما أخذ عنه من الأسمعة والفتاوى فنسب إليه لكثرة بسطه وكلامه فيه وكذلك الإمام أبو الحسن الأشعري لا فرق فليس له في المذهب كثر من بسطه وشرحه وتأليفه في نصرته فنجب في تلاميذه خلق كثير من المشرق. وكانت شوكة المعتزلة بالعراق شديدة وأعظم ما كانت المحنة زمن المأمون والمعتصم فتورع عن مجادلتهم أحمد بن حنبل فموهوا بذلك على الملوك وقالوا: إنهم يعنون أهل السنة يفرون من المناظرة لما يعلمون من ضعفهم على نصرة الباطل وأنه لا حجة بأيديهم وشنعوا بذلك عليهم حتى امتحن في زمانهم أحمد بن حنبل وغيره حتى أخذ الناس حينئذ بالقول بخلق القرآن حتى ما كان تقبل شهادة شاهد ولا يستقضي قاض ولا يفتي مفت إلا يقول بخلق القرآن. قال: وكان في ذلك الوقت جماعة من المتكلمين كعبد العزيز المكي والحارث المحاسبي وعبد الله بن كلاب وجماعة غيرهم وكانوا أولي زهد لم ير واحد منهم أن يطأ لأهل البدع بساطاً ولا أن يداخلهم. وكانوا يردون عليهم ويؤلفون الكتب في إدحاض حججهم إلى أن أنشأ بعدهم وعاصر بعضهم ابن أبي بشر الأشعري يعني الشيخ أبا الحسن المذكور فصنف في هذا العلم لأهل السنة التصانيف وألف لهم التآليف حتى أدحض الله تعالى حجج المعتزلة وكسر شوكتهم. وكان يقصدهم بنفسه. ويناظرهم فكلم في ذلك وقيل له: كيف تخالط أهل البدع وتقصدهم بنفسك وقد أمرت بهجرهم. فقال: هم أهل رئاسة منهم الوالي والقاضي. ولرئاستهم لا ينزلون إلي فإذا كانوا لا ينزلون إلى ولا أسير أنا إليهم فكيف يظهر الحق ويعلمون أن للسنة ناصراً بالحجة.قال: وكان أكثر مناظراته مع الجبائي المعتزلي وله معه في الظهور عليه مجالس كثيرة فلما كثرت تآليفه ونصر مذهب أهل السنة وبسطه تعلق بها أهل السنة من المالكية والشافعية وبعض الحنفية. فأهل السنة بالمشرق والمغرب بلسانه يتكلمون وبحجته يحتجون. وأما أتباعه فقد ذكر الإمام الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في كتابه من أعيانهم قريباً من ثمانين إماماً ثم أردفتهم من جلة الأئمة ما صار للمائة تماماً. فمن اقتدى به وتبعه في الإعتقاد من المحققين النظار النقاد ممن جمع بين العلم والدين وأقام قواطع الحجج والبراهين كالإمام أبي بكر الباقلاني والأستاذ أبي إسحاق الاسفرايني والإمام ابن فورك والشيخ الإمام أبي إسحاق الشيرازي وأبي المعالي إمام الحرمين الجويني والإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي والإمام فخر الدين الرازي والإمام عز الدين بن عبد السلام والشيخ الإمام محيي الدين النواوي والإمام تقي الدين بن دقيق العبد وغير هؤلاء العشرة من ذوي المناقب الشهيرة. وكذلك جماعة من أكابر المشايخ الجلة العارفين السالكين الربانيين المربين كالشيخ أبي عبد الله القرشي والأستاذ أبي القاسم القشيري والشيخ شهاب الدين السهروردي والشيخ أبي الحسن الشاذلي وغيرهم من منابع الأسرار ومطالع الأنوار. وكان حامل رأيه من ماله من المناقب وناصر مذهبه دون المذاهب الإمام المحقق الحبر البارع ذو البرهان القاطع والعلم الواسع البحر الطامي القاضي أبو بكر الباقلاني. وهو الذي رجح غير واحد من العلماء أنه هو الذي كان على رأس المائة الرابعة لاحتياج الناس في قمع المبتدعين إلى علم أصول الدين قالوا: وكان على رأس " المائة الأولى " من الذين أشار صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث: " إن الله يحدث على رأس كل مائة سنة لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها " عمر بن عبد العزيز وعلى رأس " المائة الثانية " محمد بن إدريس الشافعي وعلى رأس " المائة الثالثة " أبو الحسن الأشعري وعلى رأس " المائة الرابعة " القاضي أبو بكر الباقلاني وعلى رأس " المائة الخامسة " أبو حامد الغزالي. كل هؤلاء المذكورين نص عليهم الإمام الحافظ ابن عساكر وغيره من الأئمة ونص على الأولين الإمام أحمد بن حنبل ولم ينص على المائتين الأخريين لأنه لم يدركها وقد قيل أنه كان على رأس " المائة السادسة " فخر الدين الرازي وعلى رأس " المائة السابعة " تقي الدين بن دقيق العبد. والله أعلم. وكان الشيخ أبو الحسن المذكور شافعياً يجلس في أيام الجمع في بدايته في حلقة الفقيه الإمام أبي إسحاق المروزي الشافعي في جامع المنصور. قال الحافظ أبو نعيم: أخبرنا الأستاذ الإمام أبو منصور عبد القاهر البغدادي.وقال: سمعت عبد الله بن محمد بن طاهر الصوفي يقول: رأيت أبا الحسن الأشعري في مسجد البصرة وقد أبهت المعتزلة في المناظرة فقال له بعض الحاضرين: قد عرفنا تبحرك في علم الأصول وأريد أن أسألك عن مسألة في الفقه قال: اسأل عما شئت فقال له: ما تقول في الصلاة بغير الفاتحة: قال: حدثنا زكريا بن يحيى قال: حدثنا عبد الجبار قال حدثنا سفيان قال: حدثني الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ". وحدثنا زكريا قال: حدثنا بندار قال: حدثني يحيى بن سعيد بن جعفر بن ميمون قال حدثني أبو عثمان عن أبي هريرة قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أنادي بالمدينة أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب. قال: فسكت القائل ولم يقل شيئاً. قال الإمام الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: وفي هذه الحكاية دلالة ظاهرة على أن أبا الحسن كان يذهب مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه قال: كذلك ذكر أبو بكر بن فورك يعني الإمام وروى الإمام الحافظ أبو القاسم ابن عساكر المذكور بسنده إلى الإمام الأستاذ أبي إسحاق الاسفرايني قال: كنت في جنب الشيخ أبي الحسن الباهلي كقطرة في البحر وسمعت الشيخ أبا الحسن الباهلي يقول: كنت في جنب الشيخ أبي الحسن الأشعري كقطر في البحر. قلت: يعني بالباهلي المذكور شيخه وشيخ الإمام ابن فورك وتلميذ الشيخ أبي الحسن الأشعري. كما روى الحافظ أبو القاسم ابن عساكر بسنده إلى القاضي أبي بكر الباقلاني قال: كنت أنا والأستاذ أبو إسحاق الاسفرايني والأستاذ ابن فورك معاً في درس الشيخ أبي الحسن الباهلي تلميذ الشيخ أبي الحسن الأشعري قال: وكان من شدة اشتغاله بالله تعالى مثل واله أو مجنون وكان يدرس لنا في كل جمعة مرة واحده وكان منا في حجاب يرخي الستر بيننا وبينه كي لا نراه.انتهى. قلت: وإنما لم أترجم لهذا السب المذكور يعني أبا الحسن الباهلي لأني لم أقف على تاريخ موته. وفيه مثل ما ذكر عنه في تدريسه في الجمعة مرة سمعت من بعض أهل الخير والصلاح أنه كان يقيم في جبل " عدن " رجل مشتغل بالله تعالى وله معرفة بالغة في النحو وكان ينزل إلى عدن يوماً في الجمعة يشتغل الناس عليه في النحو. والمشتغلون بالله والعلم على ثلاثة أقسام: منهم من لا يشتغل بالخلق بالكلية لا بعلم ولا بعمل. ومنهم من يشتغل بالعلم وبالعمل معاً دائماً. ومنهم من يشتغل بهما أو بأحدهما في نادر من الأوقات كهذين السيدين المذكورين. ومن القسم الأول: الفقيه الإمام أحد الأولياء الكرام العالي المقام صاحب الكرامات العظام الشيني سفيان اليمني الحضرمي ترك الإشتغال لما قيل له: إذا أردتنا فاترك القولين والوجهين. ومن القسم الثاني: الفقيهان الإمامان الكبيران السيدان الوليان الشهيران صاحبا المقامات العلية والكرامات الرضية والمناقب العديدة والمحاسن الحميدة زين الزمن وبركة اليمن: أبو الذبيح إسماعيل بن محمد الحضرمي وأبو العباس أحمد بن موسى المعروف بابن عجيل. رضي الله عنهما. رجعنا إلى ما كنا نحن بصدده قال إمام المحدثين عمدة المسندين الحافظ الكبير السيد الشهير قدوة الأئمة أكابر أبو القاسم ابن عساكر رحمه الله فكفى أبا الحسن فضلاً أن يشهد بفضله مثل هؤلاء الأئمة وحسبه فخراً أن يثني عليه الأماثل من علماء الأمة ولا يضر قدح من قدح فيه لقصور الفهم وعناءة الهمة ولم يبرهن على ما يدعيه في حقه إلا بنفس الدعوى ومجرد التهمة. وقاد الإمام الحافظ الحبر المحقق الماهر والبحر الخضم الطامي الزاخر المشتمل على نفيس الدرر وعوالي الجواهر الجامع بين المعقول والمنقول والفروع والأصول. الصافي من سائر البدع النقي أحمد بن الحسين المكنى بأبي بكر البيهقي في أثناء رسالته: " الحسناء البالغة المرضية في مكاتبة العميد واستعطافه لنصرة الأشعرية ". ثم إنه أعز الله تعالى نصره صرف كلمته العالية إلى نصرة دين الله تعالى وقمع أعداء الله عز وجل بعدما تقرر للكافة حسن اعتقاده بتقرير خطباء أهل مملكته على لعن من استوجب اللعن من أهل البدع ببدعته. فألقوا في سمعه ما فيه مساءة أهل السنة والجماعة كافة ومصيبتهم عامة من الحنفية والمالكية والشافعية الذين لا يذهبون في التعطيل مذهب المعتزلة ولا يسلكون في التشبيه طرق المجسمة من مشارق الأرض ومغاربها ليتسلوه بالأسوة معهم في هذه المسماة بما يسوءهم من اللعن والقمع في هذه الدولة المنصورة يثبتها الله تعالى إن شاء ونحن نرجوا عثوره عن قريب على ما قصدوا وقوعه على ما أرادوا ليستدرك بتوفيق الله عز وجل ما يدر منه فيما ألقي إليه ويأمر بعزل من زور عليه وقيح صورة الأئمة بين يدين وكأنه خفي عليه أدام الله تعالى عزه حال شيخنا أبي الحسن الأشعري رحمه الله تعالى ورضوانه وما يرجع إليه من شرف الأصل وكبر المحل في العلم والفضل وكثرة الأصحاب من الحنفية والمالكية والشافعية الذين رغبوا في علم الأصول وأحبوا معرفة أوائل العقول. وفضائل الشيخ أبي الحسن الأشعري ومناقبه أكثر من أن يمكن حصرها في قلت: فهذا ما اقتصرت على ذكره من رسالته المليحة البالغة في الذب والنصرة والنصيحة وكذلك الرسالة الأخرى في ذلك البالغة في البلاغة والملاحه والبيان والفصاحة للإمام الأستاذ العارف بالله السالك بحر العلوم وعلم العلماء الأعلام شيخ الشيوخ أدلاء الطريقة وجمال الشريعة والحقيقة زين الإسلام أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري قدس الله روحه وبل ثراه بماء الرحمة ونور ضريحه. ومن جملة كلامه فيها قوله: ظهر ببلد نيسابور من قضايا التقدير في مفتتح سنة خمس وأربعين وأربعمائة من الهجرة ما دعا أهل الدين إلى شق طراز خيرهم وكشف قناع سرهم بل طلب الملة الحنيفية يشكو عليلها ويبدي عويلها وينصب أعرابي رحمة الله عليه على من يسمع شكواها ويصغي ملائكة السماء حين تبدت شجواها ذلك مما أحدث من لعن إمام اللين وسراح في اليقين ومحي السنة وقامع البدعة وناصر الحق وناصح الخلق الزكي الرضي أبي الحسن الأشعري قدس الله روحه وسقي بماء الرحمة ضريحه وهو الذي ذب عن الدين بأوضح حجج وسلك في قمع المبتدعة وسائر أنواع المبتدعة أبين نهج واستبذل وسعه في التصفح عن الحق وأورث المسلمين بعد وفاته. كتبه الشاهدة بالصدق. قلت: وهذا ما اقتصرت على ما ذكره أيضاً من رسالة الأستاذ المذكور في الذب عن الشيخ أبي الحسن الإمام المشكور ونصرة مذهبه الظاهر الزاهر بالشرف والعز المنصور الذي قلت في معالي شرفه المشهور: له منهج من نوره الكون باهج مضى لهدى الأشعرية مشعر له بيض رايات العلى مع أئمة عزيز بحمد الله ما زال ينصر عقيدة حق قد ذهب بجمالها عن السنة الغزاء والحق يسفر ومن كلام الأستاذ المذكور في الذب عن الإمام شيخ السنة الناصر ما ذكر الإمام الحافظ أبو القاسم ابن عساكر قال: دفع إلي عبد الواحد بن عبد الأحد بن عبد الواحد بن عبد الكريم بن هوازن القشيري الصوفي النيسابوري بدمشق مكتوباً بخط جده الإمام أبي القاسم القشيري وأنا أعرف الخط فوجدت فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. اتفق أصحاب الحديث أن أبا الحسن علي بن إسماعيل الأشعري كان إماماً من أئمة أصحاب الحديث مذهبه ومذهب أصحاب الحديث تكلم في أصول الديانات وعلى طريقة أهل السنة ورد على المخالفين من أهل الزيغ والبدعة وكان على المعتزلة والروافض والمبتدعين من أهل القبلة والخارجين عن الملة سيفاً مسلولاً ومن طعن فيه أو قدح فيه أو لعنه أو سبه فقد بسط لسان السوء في جميع أهل السنة بذلنا خطوطنا طائعين بذلك في هذا الكتاب من ذي القعدة سنة ست وثلاثين وأربعمائة. وفيه: خط أبي عبد الله الخبازي المقرىء. كذلك يعرفه محمد بن علي الخبازي وهذا خطه وبخط الإمام أبي محمد الجويني.الأمر على هذه الجملة المذكورة فيه وكتبه عبد الله بن يوسف وبخط أبي الفتح الشاشي الأمر على الجملة التي ذكرت وكتبه بضرب محمد بن الشاشي. قلت: وذكر جماعة من الأئمة قريباً من عشرين منهم أبو الفتح الهروي وأبو عثمان الصابوني والشريف البكري ومنهم: الشيخ أبو إسحاق الشيرازي. وهذا لفظه فيما نقله الإمام الحافظ ابن عساكر الجواب: وبالله التوفيق إن الأشعرية هم أعيان أهل السنة وأنصار الشريعة انتصبوا للرد على المبتدعة من القدرية والرافضية وغيرهم فمن طعن فيهم فقد طعن عن أهل السنة وإذا رفع أمر من يفعل ذلك إلى الناظر في أمر المسلمين وجب عليه تأديبه بما يرتاع به كل أحد. وكتب إبراهيم بن علي الفيروزابادي وكذلك الإمام قاضي القضاة الدامغاني والإمام أبو بكر محمد بن أحمد الشاشي وغيرهم وقال الإمام أبو القاسم المذكور بعد أن ذكر خطوط الجميع: هذه الخطوط على من ذلك الدرج. ونقلها غيري من الفقهاء. قلت: فهذا ما أردت الإقتصار عليه في ترجمته وهو قليل بالنسبة إلى جلالته وإنما أرخيت العنان في ذلك إرخاء لكوني رأيت بعض المؤرخين قد أعرض عن التعرض لذكره وبعضهم ذكره بأوصاف يسيرة لا تليق بقدره معرضاً عن ذكر فضائله ومرتبته العلية لكونه رضي الله تعالى عنه منائياً بمذهبه الجامع بين المعقول والمنقول والحشوية الواقفين مع ظواهر المنقول. وإن كان مستحيلاً في العقول ومجانباً لعكسه أعيني مذاهب المبتدعة القائلين بالمعقول دون المنقول متوسطاً بين الطرفين المذمومين سالكاً للنهج الأوسط المحمود ومنبعه في كل صدور وورود رضي الله تعالى عنه وأرضاه ومن فضله الكريم في دار النعيم جازاه.
|